كلنا الوطن

هل فقدنا ثقتنا في الأخبار المحلية؟

-

الثقة في الأخبار المحلية لم تعد كما كانت قبل عقد من الزمن.

اليوم، يواجه المتابعون في تونس والمنطقة العربية عموماً تحدياً كبيراً في تمييز الحقيقة من الشائعات مع تنوع القنوات وتداخل المصالح.

وسائل التواصل الاجتماعي جعلت المعلومة متاحة بضغطة زر، لكنها أيضاً فتحت الباب أمام سيل من الأخبار غير المؤكدة والقصص الملفقة.

الكثيرون باتوا يتساءلون: هل ما نقرأه ونشاهده يومياً دقيق وشفاف، أم أنه مجرد انعكاس لمصالح ضيقة أو توجهات إعلامية معينة؟

في هذا المقال سنناقش أسباب فقدان الثقة في الأخبار المحلية، ونحلل انعكاسات ذلك على المجتمع التونسي، ونستعرض أفكاراً عملية لإعادة بناء مصداقية الإعلام المحلي رغم التحولات الرقمية المتسارعة.

مظاهر فقدان الثقة في الأخبار المحلية

من الواضح اليوم أن شريحة واسعة من الناس لم تعد تتابع القنوات الإخبارية التقليدية كما في السابق.

انتقلت هذه الشريحة نحو مصادر بديلة، سواء كانت منصات رقمية مستقلة أو صفحات إخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي.

النقاش حول مصداقية الأخبار أصبح أمرًا يوميًا، فلا يكاد يمر حدث محلي إلا ويتساءل البعض عن صحة الخبر ومن يقف وراءه.

هذا الحذر لم يعد مقتصرًا على السياسة أو الاقتصاد فقط، بل امتد حتى إلى القطاعات الترفيهية.

في مجال مثل الألعاب الإلكترونية والترفيه عبر الإنترنت، يلاحظ المستخدمون كيف أصبح التدقيق في المصداقية شرطًا أساسيًا قبل التفاعل مع أي موقع.

على سبيل المثال، في مواقع مثل كازينو اون لاين تونس تجد حرص المستخدمين متزايدًا على التأكد من شفافية المنصة ومراجعة تقييمات اللاعبين قبل اتخاذ أي قرار مالي.

من تجربتي وملاحظتي للمحيط الاجتماعي، صرت أسمع الكثير من الأسئلة عن مصدر كل خبر ومدى حياديته، وهذا يعكس تحول عادات الاستهلاك الإعلامي نحو الحذر والبحث الذاتي بدل الاعتماد الكلي على جهة واحدة.

الناس اليوم يميلون إلى مشاركة الروابط وتبادل وجهات النظر حول دقة الأخبار أكثر من أي وقت مضى، حتى النقاشات العائلية البسيطة باتت تبدأ بسؤال: "من أين جلبت هذه المعلومة؟"

هذه الظواهر جميعها تشير إلى تراجع الثقة التقليدية وصعود ثقافة تحقق فردي وجماعي لدى الجمهور التونسي والعربي عمومًا.

الأسباب الرئيسية وراء تراجع الثقة في الإعلام المحلي

تراجعت الثقة في الأخبار المحلية بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة.

جزء من المشكلة يتعلق بأداء المؤسسات الإعلامية نفسها، بينما لعبت التحولات الرقمية وتغير سلوك الجمهور دورًا لا يقل أهمية.

من تجربتي وملاحظاتي اليومية، لاحظت أن الجدل حول مصداقية الأخبار أصبح موضوعًا حاضرًا في كل نقاش عام تقريبًا.

التحيز الإعلامي وتضارب المصالح

يشكو كثير من المتابعين من التحيز السياسي أو الاقتصادي الذي يظهر أحيانًا في تغطية بعض وسائل الإعلام المحلية.

عندما يشعر الجمهور أن القصة تُعرض من زاوية واحدة أو أن جهة ما تمارس نفوذها على محتوى الأخبار، تبدأ الشكوك بالظهور بسرعة.

تضارب المصالح بين المعلنين ووسائل الإعلام يزيد الطين بلة، إذ يشك البعض في حيادية التغطيات المرتبطة بإعلانات أو شراكات تجارية.

من واقع عملي مع وسائل إعلام عربية، لمست أن غياب الشفافية بشأن هذه العلاقات غالبًا ما يؤدي إلى فقدان جزء مهم من ثقة الجمهور.

انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات

وسائل التواصل الاجتماعي غيرت قواعد اللعبة بالكامل، وأصبح انتشار الشائعات أسرع بكثير من تصحيحها أو نفيها.

كم مرة وجدت خبرا منتشرا بشكل واسع ثم اكتشفت لاحقاً أنه غير دقيق أو مفبرك؟ هذا السيناريو أصبح مألوفاً لدى الجميع تقريباً.

الصعوبة في التمييز بين الخبر الحقيقي والمحتوى المزيف جعلت جمهور الأخبار المحلية يتعامل بحذر شديد مع أي معلومة جديدة.

هنا تتسرب الثقة تدريجياً من المؤسسات التقليدية لصالح حسابات مجهولة أحياناً تقدم روايات أقرب للتصديق بسبب سرعة وصولها لا أكثر.

ضعف الشفافية وغياب المساءلة

قلة وجود آليات واضحة لمحاسبة وسائل الإعلام عند ارتكاب الأخطاء تترك الجمهور دون إجابات حين تنتشر معلومات مغلوطة أو تقارير غير دقيقة.

حتى اليوم، يندر أن تعترف بعض المؤسسات المحلية بأخطائها علنًا أو تنشر توضيحات كافية عندما يتضح خطأ ما تم نشره سابقا.

هذا الغياب للمساءلة يدفع الناس للبحث عن مصادر أخرى يثقون فيها أكثر، حتى وإن كانت أقل شهرة أو خبرة إعلامية.

ملحوظة: الثقافة المحلية في تونس مثلا باتت تناقش موضوع المساءلة بحرارة خاصة عند الحديث عن تغطيات حساسة تمس الحياة اليومية للمواطنين.

تأثير فقدان الثقة على المجتمع المحلي

فقدان الثقة في الأخبار المحلية لم يعد مجرد مشكلة تخص المؤسسات الإعلامية وحدها.

هذه الظاهرة انتقلت لتؤثر بشكل مباشر على نسيج المجتمع وتفاعلاته اليومية.

كل جانب من جوانب الحياة المجتمعية يجد نفسه متأثرًا، من الحوار العام وصولاً إلى الاقتصاد المحلي وحتى الهوية الثقافية المشتركة.

من تجربتي، لاحظت أن النقاش حول مصداقية الأخبار بات حاضرًا في المقاهي والجامعات وأماكن العمل بنفس أهمية نقاش كرة القدم أو الأسعار، وهو ما يعكس حجم الأثر الحقيقي لهذه الأزمة.

تراجع المشاركة المجتمعية

عندما لا يثق الناس في الأخبار المحلية، يصبحون أقل حماسًا للمشاركة في القضايا العامة أو دعم المبادرات المجتمعية.

كثير ممن قابلتهم أبدوا ترددًا في حضور الاجتماعات البلدية أو المشاركة في حملات التوعية لأنهم ببساطة لا يثقون بالمعلومات التي يتلقونها حول هذه الأنشطة.

هذا الفتور الجماعي يؤدي إلى ضعف الرقابة الشعبية على صناع القرار ويقلل من الإحساس بالمسؤولية المشتركة تجاه الشأن العام.

انتشار المعلومات المضللة

ضعف الثقة يدفع كثيرين للبحث عن معلوماتهم من مصادر غير رسمية قد تفتقر للدقة أو الحياد.

رأيت بنفسي كيف تنتشر إشاعة بسيطة عبر مجموعات الواتساب أكثر من أي خبر موثوق ينشره موقع معروف، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواضيع حساسة مثل الصحة أو السياسة.

هذا الوضع لا يؤدي فقط إلى تضليل الناس بل يخلق حالة عامة من الارتباك ويصعب بناء توافق مجتمعي حول أي قضية محورية.

تأثير اقتصادي على قطاع الإعلام

المؤسسات الإعلامية المحلية تعاني ماليًا مع تراجع ثقة الجمهور فيها، إذ يقل الإقبال على الاشتراكات والإعلانات بشكل واضح.

شخصيًا أعرف صحفيين اضطروا لتغيير مهنتهم بسبب غياب الاستقرار المالي الناتج عن هذا التراجع في الدعم والثقة معًا.

استمرار هذا الحال يعني خسارة مزيد من الكفاءات الصحفية المحلية وتهديد استمرارية مؤسسات لعبت تاريخيًا دورًا مهمًا في نقل نبض الشارع وصوت المواطن الحقيقي.

خطوات عملية لاستعادة الثقة في الأخبار المحلية

إعادة بناء الثقة بين وسائل الإعلام المحلية والجمهور ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة أيضًا.

هناك حلول عملية يمكن أن تطبقها المؤسسات الإعلامية بمشاركة الجمهور وصناع القرار لضمان محتوى صادق وشفاف.

سنتناول ثلاث خطوات أساسية تساعد على تعزيز مصداقية الأخبار واستعادة ثقة المجتمع المحلي.

تعزيز الشفافية والمسؤولية الصحفية

المؤسسات الإعلامية مطالبة اليوم بأن تكون أكثر وضوحًا في نقل المعلومات ومصادرها.

عندما يعترف الصحفيون بالأخطاء وينشرون التصحيحات فور وقوعها، يزداد احترام الجمهور لهم.

في تونس، شاهدنا بعض المبادرات الجيدة من صحف محلية أعلنت عن مصادر معلوماتها بشكل مفصل وأصدرت اعتذارات علنية عند نشر أخبار غير دقيقة، ما أعاد بعض الاحترام لهذه الجهات.

توضيح الخطوات التي تمر بها المادة الإخبارية قبل النشر يعطي المتابعين انطباعًا بوجود رقابة حقيقية ومسؤولية مهنية داخل غرفة الأخبار.

تطوير مهارات التحقق لدى الجمهور

الجمهور بحاجة إلى أدوات ومهارات تساعده على تمييز الخبر الصحيح من المزيف.

بعض المؤسسات بدأت حملات توعوية عبر مواقعها ومنصاتها لتعليم طرق التحقق البسيطة مثل البحث العكسي للصور أو مراجعة المصدر الأصلي للخبر.

حين يدرك القارئ كيفية اختبار مصداقية المعلومات، يصبح أقل عرضة للتضليل وأكثر قدرة على المطالبة بمحتوى موثوق من المؤسسات الإعلامية.

هذه الثقافة الجديدة تحمي المجتمع وتعيد الدور الرقابي للجمهور على وسائل الإعلام المحلية.

الاستفادة من التكنولوجيا لمحاربة الأخبار الكاذبة

التطورات التقنية فتحت المجال أمام حلول ذكية لرصد الأخبار الكاذبة بشكل أسرع وأكثر دقة مما مضى.

برامج الذكاء الاصطناعي قادرة الآن على تحليل النصوص واكتشاف علامات التضليل خلال ثوانٍ، كما يمكن للجمهور استخدام تطبيقات تحقق فوري قبل مشاركة أي محتوى مشبوه عبر الشبكات الاجتماعية.

في تجارب أوروبية وعربية حديثة، تبين أن التعاون بين المؤسسات التقنية والإعلاميين ساهم في كشف عشرات الحملات المضللة ومنع انتشارها محليًا بسرعة قياسية.

نصيحة: استثمار غرف الأخبار في أدوات التحقق الرقمية لم يعد ترفًا بل ضرورة لضمان البقاء والثقة معًا في عصر الفوضى المعلوماتية.

خاتمة

الثقة في الأخبار المحلية ليست مجرد مسألة إعلامية، بل هي ركيزة من ركائز استقرار المجتمع وتقدمه.

غياب الثقة يؤدي إلى فراغ معلوماتي وتزايد الشائعات، بينما التزام وسائل الإعلام بالمصداقية يرسخ وعيًا جماعيًا مسؤولًا.

استعادة هذه الثقة تتطلب عملًا مشتركًا بين المؤسسات والجمهور وصناع السياسات من أجل بيئة إعلامية أكثر شفافية وموثوقية.

المجتمع القادر على التحقق من مصادره ومساءلة مؤسساته الإعلامية هو مجتمع يملك مناعة ضد التضليل ويحقق تماسكه في زمن التحولات الرقمية.