كلنا الوطن

بقلم الدكتورة ساميه السيد حجاج: دور الإعلام الرقمي في تشكيل الهوية الوطنية

-

لا شك ان التحولات السريعة والتطورات التقنية في هذا العصر قد أثرت في الاعلام بشكل كبير، حيث أنه لا يقتصر على نقل الأخبار والمعلومات فقط، بل يُسهم بفاعلية في ترسيخ القيم الوطنية، ونقل التراث الثقافي، وتعزيز الانتماء لدى الأفراد. ومع التطور الرقمي الذي يشهده العالم وتطور وسائل الإعلام وظهور المنصات الرقمية، تحولت الطرق التقليدية للتواصل إلى منصات حيوية تفاعليه تمكّن من خلالها مشاركة صنّاع المحتوى والمواطنين في صياغة صورة الوطن. وفي ظل التحديات المعاصرة، يظهر الإعلام الرقمي كأداة فعّالة لصقل الهوية الوطنية وتعزيز الشعور بالانتماء.

إن الهوية الوطنية ليست مجرد مفهوم جغرافي أو سياسي، بل هي التاريخ والتراث الثقافي والقيم والتقاليد التي تربط أفراد المجتمع. وقد ساعد الإعلام الرقمي في نقلها عبر حدود الزمان والمكان، بل أيضاً إعادة سرد القصص الوطنية والتراثية بطريقة جذابه وعصرية. فقد أصبحت تلك المنصات جسراً بين الماضي والحاضر لإعادة صياغة الهوية الوطنية بما يتناسب مع التغيرات التكنولوجية.

دور الإعلام الرقمي في تعزيز الهوية الوطنية

1. الحوار المجتمعي المفتوح: يُمكن لوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية أن تُشرك المواطنين في حوار مفتوح حول مستقبل الوطن يتضمن التفاعل وتبادل الخبرات مما ينتج محتوى يعكس متطلبات العصر الحديث. فيمكن للمبادرات الرقمية حمل رسائل الوحدة والانتماء عبر الهاشتاجات، الفيديوهات التفاعلية والمسابقات الثقافية.

2. إنتاج المحتوى المحلي: يُتيح الإعلام الرقمي للمواطنين مشاركة قصصهم الخاصة من خلال المنتديات والمدونات والفيديوهات، مما يساهم في بناء سرد وطني يظهر التجارب الحياتية والإنجازات والتحديات بشكل شخصي ومباشر. هذه المشاركة تُعزز الشعور بالانتماء وأيضا أهمية دور المواطن في رسم صورة الوطن.

3. نشر التراث والثقافة الوطنية: تعد المنصات الرقمية أدوات قوية للتعريف بالتراث الثقافي والتاريخي للدولة. فمن خلال المتاحف الافتراضية، المعارض الرقمية، والبرامج الوثائقية، يتمكن المواطن من استكشاف الجوانب المختلفة لتراثه الوطني بطريقة جذابة وسهلة الوصول. هذه الجهود تُسهم في تعزيز الفخر بالهوية الوطنية وإبراز القيم التي توحد المجتمع.

4. التأثير في صناعة السياسات: يساهم الإعلام الرقمي في رصد آراء المواطنين وتحليل مواقفهم حول القضايا الوطنية مما يشكل عاملا مساعد للجهات الرسمية وصناع القرار في تصميم سياسات تلبي احتياجات الشعب وتعزز قيم الوحدة والانتماء وايضا تطوير السياسات العامة وتعزيز الشفافية.

التحديات التي تواجه الإعلام الرقمي

يواجه الاعلام الرقمي العديد من التحديات التي تتمثل في انتشار الأخبار الكاذبة والتضليل الرقمي الذي قد يشوه الصورة الوطنية مما يتطلب تطوير آليات للرصد والتحقق من صحة المحتوى المنشور. أيضا يؤدي تعدد المصادر والتنوع في المحتوى إلى صعوبة رسم سرد وطني موحد. إذ قد تظهر عدة روايات متضاربة تؤثر على وحدة الهوية الوطنية. لذا، يصبح من الضروري إيجاد توازن بين إبراز التنوع واحترام القيم المشتركة. كما يجب التفكير في استراتيجيات لضمان أن تكون الرسائل الرسمية والخطاب الرقمي الصادر عبر المنصات الرقمية من مختلف الجهات يتوافق مع مصالح الهوية الوطنية ووحدة المجتمع.

مقترحات لتعزيز دور الإعلام الرقمي:

1.تعزيز الوعي الرقمي من خلال تدشين ورش عمل لصنّاع المحتوى والمواطنين للتمكن من التمييز بين المحتوى الموثوق والمضلل. 2. زيادة التعاون المتكامل بين الجهات الحكومية، والمؤسسات الخاصة، والمجتمع المدني لتحقيق رسائل موحدة تعكس الهوية الوطنية بدقة وحرفية وبشكل منظم 3. رصد ردود فعل العامة من خلال استخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. 4. كما يمكن إبراز قصص النجاح الوطنية وتسليط الضوء على تجارب ناجحة وحكايات ملهمة لتعزيز الشعور بالفخر والانتماء بين المواطنين، ولرسم صورة للتطلعات المستقبلية.

خاتمة

يُعد الإعلام الرقمي اليوم أكثر من مجرد أداة لنقل المعلومات؛ فهو منصة حيوية لصناعة الهوية الوطنية وموئل لتجسيد قيم الوحدة والانتماء. رغم التحديات التي تواجهه، فإن الاستخدام المسؤول والمبتكر لهذه الوسائل يمكن أن يساهم في بناء مجتمع متماسك يعبر عن تراثه بروح العصر، ويستلهم من التجارب الحديثة لتشكيل مستقبل مشرق. فلا بد من حث المؤسسات والمواطنين على العمل معًا لتجاوز العقبات، وضمان أن تكون الرسائل الوطنية ممثلة لصوت الأمة بأمانة وإبداع.