بقلم د. ولاء قطب: ثنائي القطب.. الوجه الخفي لتقلبات المزاج بين الهوس والاكتئاب

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتراكم الضغوط النفسية والاجتماعية، يبرز اضطراب ثنائي القطب كأحد أبرز التحديات التي قد تواجه الصحة النفسية للإنسان، حيث يُعدّ من الاضطرابات المزاجية المعقدة التي تتطلب فهماً دقيقاً وتعاطياً مهنياً متوازناً.
اضطراب ثنائي القطب، والذي كان يُعرف سابقاً باسم الاكتئاب الهوسي، هو حالة صحية عقلية تتسم بتغيرات حادة وغير معتادة في المزاج والطاقة ومستوى النشاط، مما يؤثر بشكل كبير على الأداء اليومي للفرد. تتراوح أعراضه بين نوبات من الاكتئاب الحاد ونوبات من الهوس أو الهوس الخفيف، وقد تحدث هذه النوبات بشكل متناوب أو متداخل.
عندما يسيطر الاكتئاب:
خلال نوبات الاكتئاب، يشعر المصاب بالحزن العميق واليأس، وقد يفقد الاهتمام حتى في أبسط الأمور التي كانت تُدخل عليه السرور. من الشائع في هذه المرحلة أن يعاني الفرد من ضعف التركيز، فقدان الطاقة، اضطرابات النوم، وأفكار سوداوية قد تصل إلى حد التفكير في الانتحار.
وعندما يعلو الهوس:
في الجهة المقابلة من الطيف، تأتي نوبات الهوس أو ما يُعرف بالـ "هوس الخفيف"، وهي حالات من النشوة المفرطة والنشاط الزائد. وفي هذه الحالة، تظهر مجموعة من الأعراض، أبرزها:
شعور مفرط بالفرح أو التفاؤل أو الانفعال غير المعتاد.
زيادة غير مبررة في النشاط والطاقة.
تضخم في الثقة بالنفس والشعور بالنشوة.
قلة الحاجة للنوم دون الإحساس بالتعب.
التحدث بسرعة وبإفراط دون توقف.
تسارع في الأفكار والانتقال السريع من موضوع لآخر.
تشتت الانتباه وضعف التركيز.
ورغم أن نوبات الهوس قد تُفسر أحياناً على أنها "فترات من النشاط المرتفع"، إلا أنها قد تكون مضللة وخطيرة، خصوصاً إذا أدت إلى سلوكيات متهورة، مثل الإنفاق المفرط، أو اتخاذ قرارات خاطئة دون إدراك للعواقب.
أهمية التشخيص والتدخل المبكر:
تكمن خطورة اضطراب ثنائي القطب في صعوبة تشخيصه أحياناً، خاصة في مراحله الأولى أو عندما تتداخل أعراضه مع اضطرابات نفسية أخرى. من هنا تأتي أهمية الوعي المجتمعي بهذا الاضطراب، والتوجه إلى المختصين في الصحة النفسية عند ملاحظة تغيرات مزاجية شديدة أو سلوكيات خارجة عن المألوف.
العلاج لا يقتصر فقط على الأدوية، بل يتطلب تكاملاً بين العلاج النفسي والدعم الأسري والمتابعة المستمرة، للوصول إلى استقرار المزاج وتحسين نوعية الحياة.
في الختام، يبقى الاضطراب ثنائي القطب أحد الاضطرابات التي تستحق المزيد من الفهم والدعم، بعيداً عن وصمة المرض النفسي. فالتعامل مع المصابين بهذا الاضطراب يتطلب تعاطفاً وإنصاتاً واحترافاً في آنٍ معاً، لنتمكن من مساعدتهم على العيش حياة متوازنة وفعالة.