بقلم الدكتورة أسماء نوار: حقن التخسيس بين الوهم والحقيقة.. مونجارو، ساكسندا، والركض خلف التريند

لم يعد فقدان الوزن مجرد هدف صحي أو ضرورة طبية، بل تحول في السنوات الأخيرة إلى هوس مجتمعي تغذّيه صور النحافة المبالغ فيها على منصات التواصل الاجتماعي. في قلب هذا الهوس، برزت أسماء مثل "ساكسندا" و"مونجارو" كحلول سحرية لخسارة الوزن، وتحوّلت من علاجات طبية موجهة لحالات معينة، إلى "تريند" يتهافت عليه الجميع دون وعي كافٍ بعواقبه.
"ساكسندا" (Saxenda) و"مونجارو" (Mounjaro) هما نوعان من الحقن التي تستخدم لعلاج السمنة، لكنها صُممت بالأساس لأغراض طبية محددة.
"ساكسندا" تحتوي على مادة الليراجلوتايد، والتي تُستخدم لتنظيم الشهية وخفض الوزن لدى الأشخاص المصابين بالسمنة أو مرضى السكري من النوع الثاني.
أما "مونجارو"، فيعتمد على مادة التيرزيباتيد، وهي أحدث وأكثر فعالية نسبيًا من ساكسندا، وتهدف أيضًا إلى خفض الوزن وتنظيم سكر الدم.
لكن بين الوصف الطبي والتسويق الرقمي، تضيع الحقيقة.
مع تزايد شهرة هذه الأدوية، أصبحت بعض العيادات ومراكز "اللايف ستايل" تروّج لها وكأنها "إبرة العيد" أو "سر الجسم الصيفي"، دون أي تشخيص حقيقي أو فحوصات مسبقة. وللأسف، أصبح كثيرون يتناولونها دون أن يكونوا بحاجة طبية لها.
منشورات المشاهير، قصص "قبل وبعد"، وتأثيرات "الانفلونسرز"، حولت هذه الأدوية من أدوات علاجية إلى سلع رائجة على خط الموضة، مما جعل البعض يتجاهل التحذيرات ويتعامل مع الحقنة وكأنها منتج تجميلي لا أكثر.
ما لا يُقال عن الآثار الجانبية
بعيدًا عن البريق الذي تحيط به هذه المنتجات على السوشيال ميديا، تحمل الحقن عددًا من الآثار الجانبية التي قد تكون خطيرة:
غثيان مستمر واضطرابات هضمية
هبوط مفاجئ في سكر الدم
تأثيرات على البنكرياس والكلى
اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب نتيجة التغيرات المفاجئة في الجسم
فقدان الكتلة العضلية وليس الدهون فقط مما يضعف بنية الجسم على المدى الطويل
الأسوأ من ذلك، أن التوقف المفاجئ عن الحقن غالبًا ما يؤدي إلى استرجاع الوزن بسرعة أكبر، بل أحيانًا بنسبة تفوق ما تم فقده.
بعض مستخدمي الحقن يقعون في فخ الاعتماد النفسي على هذه الأدوية، ويشعرون أن أجسامهم لم تعد قادرة على "خسارة الوزن طبيعيًا". هذا الاعتقاد يُضعف الإرادة ويزيد الاعتماد على الحلول السريعة، دون أي تغييرات حقيقية في نمط الحياة.
ناهيك عن التكلفة المادية الباهظة، التي قد تصل إلى آلاف الجنيهات شهريًا، مما يضع عبئًا نفسيًا واقتصاديًا على كثير من المستخدمين، دون ضمانات طويلة المدى.
بين الوعي والموضة
ليس الهدف من هذا المقال التحذير من الأدوية الطبية المعتمدة، بل الدعوة إلى إعادة النظر في كيفية التعامل معها. ليس كل ما يُعرض على السوشيال ميديا يناسب كل الأجسام، وليس كل ما يخسر الوزن يفيد الصحة.
هناك فرق كبير بين علاج موجه لحالة مرضية، وبين استخدام عشوائي لخسارة 5 كيلوغرامات قبل مناسبة اجتماعية.
الخاتمة: العودة إلى الأصل
وسط ضجيج التريندات وتحديات "الوزن المثالي"، قد ننسى أن الصحة ليست في الرقم على الميزان، بل في نمط حياة متوازن، وحركة مستمرة، وتغذية واعية.
ربما حان الوقت لنتوقف عن الركض خلف الإبرة، ونبدأ في الركض الحقيقي نحو أسلوب حياة صحي ومستدام.